shimery.com
New Page 1
 
shimery.com



سفارة اليمن بمصر


مقالات                      

تفاصيل المقالة
مرآة قلب 
 مقدمات كتب آخرين

ماذا عساي أن أقدم لشعر أو شاعر سبقني إلى التعريف به أبوه في الأدب وأخوه في النسب؟ أيجدي الوشل بعد النهل؟ أم أن تقديمي لهذا الديوان حتمه عليَّ حق القابلة لوليد استهلَّ على راحتيها متفردا بملامح النباهة والنبل حتى شغفها إعجابا، وأنطق حبه لسان بيانها؟
لا غرو، فهذا الشاعر وفد من قبة اللغة الفصحى، ومن حيث ينبجس نهر البيان، فآل بعكر شامة تهامة الجنوبية، ألان الله لهم الكلام كما ألان لداوود الحديد، فاللغة العربية: نحوها، وصرفها، بديعها وبيانها، ومعانيها، طيعة لهم منقادة كانقياد المطايا في القافلة المدلجة لحاديها فلا ميل، وقلَّ أن تندَّ عن خُطُمِها الموثقة بين أصابعهم الموهوبة الملهمة ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاءُ والله ذو الفضل العظيم) الآية 21 سورة الحديد.
وهذا الوليد الجديد لشاعر جديد المطلع أطلَّ من آفاق مؤسسة الإبداع للثقافة والآداب والفنون بأدب قديم جديد. جمع بين غزارة الموهبة، وسلامة النهج، وصدق التجارب فأخرج ديوانه الأول. هذا الذي بين أيدينا. بلُّورة نقية تعكس في كل بيت من أبياتها تمثالا مجسما للشاعر، أو هالة إشعاعية من توهج مكنوناته النفسية، والروحية، فرحا، وحزنا، حبا، وبغضا. فالصدق في الإيحاء الشعوري دين مقدس لقصائد هذا الديوان.
والتجارب ـ وأكثرها المريرة ـ لون فطري لأديم هذه البواكير الإبداعية الرائعة . ولست مستنبئاً سوى الأدباء والموهوبين عما إذا كان لمؤسسة الإبداع فضل سبق لاكتشاف هذا الشاب الموهوب، وهذا الشعر العذب جمالا، وجلالا؟ فالشعر بجمالياته الفطرية يقال له جميل كالصوت، لا تنفع فيه التحسينات ليكون رخيما شجيا.
والصوتُ موهبةُ السماء فطائرٌ**** يشدو على فننٍ وآخرُ ينعبُ
فالانتماء الوصفي لشاعر من الشعراء لأي مدرسة نقدية كانت قديمة أو حديثة لا يزيد من قيمة الشعر ولا الشاعر في ميزان التقييم والنقد الأدبي. بل قد يزيد الشاعر بموهبته الفطرية، ونفسه العبق مدرسته التي ينتمي إليها قيمة وشرفا. وإلا فمن يعرف شيئا عن مدرسة ( أبوللو) لولا عضوية أمير الشعراء أحمد شوقي، وشاعر النيل حافظ إبراهيم إليها؟وبالمقابل هل استطاعت مدرسة الديوان بقيادة العقاد الناثر الرصين وأشباهه أن تتبوأ عرشا شعريا، أو تبارح موطئا؟!!
ومؤسسة الإبداع هي التي حملت تسامح الوسطية وألزمت نفسها حرية التجرد عن التبعية في كل شيءٍ يشرذم المبدعين والإبداع، أو يرسم الثقافة والآداب. كما نقدم اليوم بشغف هذا الشاعر وشعره، وهو الطواف بين مدرستين عالميتين ـ الرومانسية والكلاسيكية ـ إقبالا وإدبارا، كرا وفرا، منهما وإليهما؛ سنقدم غدا ـ إن شاء الله ـ ديوانا حداثيا جديدا ويتلوه آخر في قطار الصف الإلكتروني. لنغدق مدرار المواهب على عشاق الجمال والفن بكل ألوانه، ولتورق فسائل الربيع على كل أفنانه.
وهذا الشاعر عبد القادر طيب بعكر الحضرمي أرومة، الحيسي التهامي موطنا، على ما فيه من بنان رخص في عمره الأدبي، فإنه يحسب زعيما قياديا في تنظيم جبهة التصدي لتيار الحداثة الرمزية، بل هو كافر حربي بالحداثة، ومدرستها بقدر إيمانه العميق بالله ربا. وهو يرى أنها ليست سوى ظاهرة ثورية على جماليات الشعر في كل مدارسه في كل زمان ومكان. وهو أيضا لا يرى الحركة الحداثية في الشعر العربي باختلاف مسمياتها ومذاهبها ولغاتها إلا تراجعاً نحو القهقرى بدافع العجز عن بلوغ سماوات الجمال الشعري الذي لا يناله إلا الموهوبون . وقد يرى الحداثة ـ فيروسا ـ في جسم الأدب العربي يعد في قائمة أمراض العصر المستعصية على الطب كالسرطان والإيدز . ويقتل كل الكائنات الحية في القصيدة العربية وطالما دعوته للعدول عن بعض معتقداته في أن البنيوية والرمزية المفرطة أو ما تسمى الواقعية مدارس تجهيل جديدة، وبقية مما ترك ( جورباتشوف) من معالم الثورة ( البلشفية) ولابد أن تطالها يد ( البروستريكا) عاجلا أو آجلا.
وهالني ظهور تيار للرفض يطلق على نفسه ما بعد الحداثة وهذا الشاعر أحدهم؛ فلا أدرى أذلك من غرور الملكة والاعتداد بالمواهب، أم أن لدى ذلك التيار الحق فيما يرى ؟ ! ومن هذا الواقع أدعو إلى إقامة حوار ثقافي أدبي يتجلّى فيه هدوء الحكماء ، ووعي العلماء، وتقبل المنصفين، حتى يرأب الصدع، ويلحم الشرخ، أو على الأقل ترسم حدود سياسية بين التيارين.
هذا الديوان ؟
إنه شعر عمودي وجدنا فيه ذوبا وجدانيا لشخصية الشاعر وتجاربه، حتى تمازج حسه وأحاسيسه بنبرات صوته، وذاب في قصيدته ، وتمازج مع مضمونها كالتمازج بين البلازما والدم، وحتى عزّ عليَّ الفصل بينهما سرورا وحزنا، مرضا وشقاءَ، عسرا ويسراً.
وكأمثلة دون توقف نورد قوله من قصيدة كان بعثها إليَّ بأنفاسه المتصوفة متضررا من معاناته إذ يقول:

إيه أبا أحمد يا كعبة َ الـ ________________________
خدنُ المعالي ونديمُ الندى ________________________
يا سيدي جئتكَ من بلدتي ________________________
لا أدعي الشعرّ وما كنتُ في ________________________
وإنما أنطقني واقعي الـ ________________________
مَن لفتىً جاءكَ مستشرفاً ________________________
فَعرْسُهُ خلَّفها ما انقضى ________________________
هل ياتراني ( ابن زريقٍ) وقدْ ________________________
حتى إذا حمّ عليه القضا ________________________
حاشاهُ مَن كنتَ لهُ موردا ________________________

 

إخباتِ يا شؤبوبَ قطرِ الولي ________________________
و روضة الأنداء ( عبد الولي) ________________________
حيرانَ لا يسعفني مقْولي ________________________
يومٍ بـ ( حسّانٍ) ولا ( الأخطلِ) ________________________
ـمرُّ ويا للواقعِ المخْجلِ ________________________
صدقَ ( أبي ذرٍّ) وفتوى ( علي) ________________________
شهرٌ ولمْ يهْنأْ ولم يجتلِ ________________________
غادر محبوباً بـ ( قُطْرُبُّلِِ) ________________________
عاجَلهُ في قبوِهِ الأعزلِ ________________________
من ظمأ في العالمِ الممْحلِ ________________________

وشكاواه إلىَّ المبثوثة في تضاعيف ديوانه؛ إنما هي نجاوى البنوة للأبوة، ومناوحة الأخوة في عذب المورد. شأنها يختلف عن شكاواه لسواي كما نجد في نونيته الحيسية المتوقدة بعتاب المحبة، المتفحمة بنيران المعاناة بين آله ومدينته:

كم حرصنا على التودد والقر ________________________
كم جروحٍ زرعتموها بقلبي ________________________
كان عندي القبيحُ منكَ جميلاً ________________________
فحمةً كنتُ بينكم أكتوي بالـ ________________________
بل وددْت البقاءَ في كنفِ الأهْـ ________________________

 

ب فَمنْ منكمُ الذي ما قلاني ؟ ! ________________________
منْ أزاحَ الجروح أو آساني ؟ ! ________________________
رغمَ أنفِ العدا وقولِ الجبانِ ________________________
ـنار ما بحتُ باللظى والهوانِ ________________________
ـلِ وخَضْتُ الذي أباه زُماني ________________________

وعبد القادر طيب بعكر له أسلوب حاد خشن في عتابياته الإخوانية لأقرب أقربائه أبُوَّهً وأُخوَّةً، ناهيك عن وجه عتبه لسواهم فهو شديد التقريع واللوم، صريح الحملة، نادر النكاية خاصة إذا أخذته الغيرة، وظلم التجاهل.
ويمنعني من التمادي في الأمثلة قربها الآن من يد القارئ في هذا الديوان، والرغبة في عدم الإطالة.
غير أني لست عاذرا كل العذر هذا الشاعر الموهوب في بعض الهنات الهينات من لجوئه ـ وهو القدير ـ إلى استخدامه الضرورات الشعرية في غير ما حاجة إليها، وإن كانت مباحات ولكنها تظهره هزيلا، والأمثلة نادرة، وأكتفي بواحدة منها قوله:
أما أنا ولئن أرسلتُ رائعةً حوليةً فأنا هو ذلك القزمُ
فما أثقل على نفسي الشطر الثاني من هذا البيت، وليس السبب تسكين الواو فقط، ولكن أيضا البنية اللفظية، والمعنوية فيه.
وهذه المآخذ التي أثيرها في وجه هذا الشاعر إنما أترسم بها سبيل النقاد الذين يفيدون ويخدمون الشاعر وشعره لا لغير ذلك كما رأيت في إيمائتين لطيفتين من الدكتور عبد العزيز المقالح قرأتهما له منذ أيام مرت في مقدمته لديوان ( النقش على حجر الصوان) لأحد أفراد أسرة الإبداع أيضا: الشاعر عبد الرحيم عبد الرحمن قحطان تمكن فيها الدكتور المقالح بلطف أسلوبي إلى لفت الشاعر وأمثاله نحو ضرورة استيعاب جميع أشكال المعرفة وإلى المواكبة الدائمة لكل التجارب المعاصرة، حتى لا تظل موهبته محصورة في مجموعة من المعاني والصور. وقال : إن الموهبة لا تكفي لإمداد الشاعر بالرؤى الوجدانية، والمهارات الفنية، كما تفاءل ـ وهو محق ـ للشاعر عبد الرحيم قحطان بأن يراه وقد تمكن من اختيار الصيغة الأكثر تلبية لاحتياج تجربته. كما أشار إلى أن قصيدة السرد القصصي ميزة أخرى لديه. وهذه المآخذ النقدية أوحت إلينا باتجاه جديد تبناه الدكتور عبد العزيز المقالح في منح شهاداته لأبنائه وإخوانه الذين ينيلهم شرف التعريف بأقلامهم، والتوقيع على إنتاجهم، فمرحى، وحيعلا هذا النهج.
ومن هذا التوجه الحتمي لصقل المواهب وتخريجها لاحظت على شاعري عبد القادر بعكر أيضا مالا بأس فيه وهو تأثره الكبير بالقاسم بن علي بن هتيمل من حيث اختياره للبحور الشعرية ووقفاته التعبيرية حتى من حيث تشابه المعنى والصور أحيانا. كما لا يغيب في شعره الشريف الرضي. وعمارة الحكمي، والقاسم بن علي الذروي، فقد حاكاهم وجرى مجراهم.
فمرحبا بهذا الكوكب الجديد في سماء الشعر العربي، والأدب اليمني والحمد لله رب العالمين.

 
  رجوع 
shimery.com
مقالات | ألبوم الصور | مؤتمرات | لقاءات صحفية | نشاط ثقافي
لمراسلة موقع السفير راسلنا علي
info@shemiry.com